لماذا يموت الإنسان إذا تم حقن هواء له في الوريد؟

 لماذا يموت الإنسان إذا تم حقن هواء له في الوريد؟ وما هي كمية الهواء اللازمة لقتله؟

هل سمعت بداء الغواصين؟




تابع القراءة معي.. ستتعرف عليه في نهاية هذا المقال الشيق.. سأبدأ معك بخبرين، أحدها جيد والآخر سيء..

الخبر السيء أنك بحاجة إلى حوالي 100 مل من الهواء كي تقتل إنسانًا.. هذا إذا قررت أن تحقنه بها في الوريد.

الخبر الجيد في المقابل أنك لست بحاجة إلا لمليلتر واحد من الهواء إذا استطعت حقن ضحيتك به في الشريان!

همممم.. بعد بعض التأمل، لست أدري أيهما الخبر الجيد وأيهما السيء…

سأدع تحديد ذلك لك.. ولكن عليك أولاً أن تعرف لماذا يختلف الحقن في الشريان عن الوريد؟ تعال نكتشف:

سنعود قليلًا إلى أيام المدرسة ونفتح كتاب العلوم على درس الدورة الدموية. لاحظ معي أولاً الدور الذي يؤديه كل من:

  • الوريد (بالأزرق): إذ يعود عبره الدم من أنحاء الجسم المختلفة إلى القلب ثم إلى الرئتين كمحطة أخيرة. تكون الأوردة سطحية وتجري تحت الجلد. عندما يسحب الطبيب عينة دم لإجراء تحليل ما فهو يسحبها من الوريد عادة.
  • الشريان (بالأحمر): عبره يتدفق الدم من القلب إلى بقية أعضاء الجسد. أي لا توجد محطة أخيرة واحدة، وإنما عشرات المحطات المختلفة الموزعة في كل أنحاء الجسد. الشريان يجري في العمق، وبالتالي عملية الوصول إليه بإبرة (محقن) تكون صعبة، وكثيرًا ما تتم عبر تداخل جراحي صغير.



إذا قررت أن تحقن أحدًا ما بالهواء، فستختار الطريق الأسهل طبعًا، أي أحد القطارات الوريدية التي يمكنك الوصول إليها بسهولة. فأنت لن تقوم بحفر نفق تحت الأرض (أو الجلد) حتى تبلغ السرداب الشرياني في وسط العتمة. يبدو أن جسدنا قد تجهز بالعديد من الاستراتيجيات الدفاعية أمام الأخطار المحدقة.

فلنفترض أنك قمت بحقن كمية من الهواء في الوريد -ونحن نعرف أن كل السبل الوريدية تقود إلى الرئة (المحطة الأخيرة)- الرئة قادرة على امتصاص الهواء والتخلص منه عبر التنفس، لكن باستطاعتها التعامل مع الشحنات الهوائية ما دامت لا تتجاوز 100 مل. متى تجاوزت تلك الكمية سيصعب على الرئة التعامل معها وسيحدث اضطراب في الدورة الدموية واحتشاء في الرئة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن رقم 100 مل ليس حدًا ثابتًا ولكنه نسبي.

الوضع مع القطارات الشريانية مختلف. هذا لأنها لا تنتهي في روما، ولا في الرئة، وإنما في محطات متفرقة تتوزع على كل أنحاء الجسم. الوضع هنا خطير. فالرئة تتعامل مع الهواء بسهولة، أما الأعضاء الأخرى ليست متعودة على ذلك. ولذا فإنها تقف حائرة أمام أصغر كمية من الهواء. تعيق هذه الكمية الصغيرة من الهواء التروية الدموية للعضو وتسمى حينها بالصمة الهوائية Air embolism، كما أن وجود الهواء يثير تفاعلاً التهابيًا موضعيًا، مما يزيد الأمور سوءًا. وعلى سبيل المثال إذا تسرب مقدار 1مل من الهواء إلى وعاء دماغي سبّب ذلك سكتة دماغية مشابهة لتلك الناجمة عن خثرة دموية. لا يقتصر الأمر على الدماغ، فالكلى والأمعاء والأطراف أيضًا أعضاء حساسة للخثرات، مما قد يقود لاحتشاء وتموت في النسيج الذي توقفت عنه التروية الدموية.




رسم تمثيلي لصمة هوائية داخل شريان[1]

يخطر ببالك سؤال، أعرف ذلك: لماذا لا تنتقل الصمة الهوائية من الدوران الشرياني إلى الوريدي، وتعبر وصولاً إلى الرئة؟

بسيطة، لأنها لا تتمكن من عبور الشعيرات الدموية الدقيقة. ولكن! هناك طريقة أخرى لا تمر بشبكة الشعيرات الدموية، وإنما عبر ممر مختصر.

هل تتذكرون الممرات السرية في ألعاب الفيديو (السباقات)، أقصد الshortcuts؟


Crash bandicoot CTR - PlayStation ممر سري في لعبة

إذا سلكت الصمة الهوائية هذا الممر السري فانتقلت من الدوران الوريدي إلى الشرياني تحولت إلى ما يسمى بالصمة الهوائية العجائبية paradoxical air embolism!

ولكن أين توجد هكذا ممرات سرية في جسمنا؟

وأين يمكن للأسرار أن تختبئ في مكان غير القلب؟ يبدو أن قلبنا مخبأ للأسرار حرفيًا لا مجازيًا فحسب. في الجدار ما بين الأذينتين يوجد ما يسمى بالفتحة البيضوية foramen ovale. فائدة هذه الفتحة من أجل ربط الدورتين الدمويتين لدى الجنين قبل الولادة (حيث الجنين يسبح في السائل السلوي ولا تعمل رئتاه داخل رحم الأم). بعد الولادة تقفل هذه الفتحة بشكل طبيعي تلقائي، لكنها قد تبقى موجودة لدى قلة من الناس. هي مسالمة بطبعها، لا تسبب مشكلة في الحالة العادية إن ظلت مفتوحة، لكن إذا وجدت صمة من أي نوع سواءً خثرية (دموية) أو هوائية أو شحمية داخل الدوران الوريدي، فسيعرّض وجود هذا الممر السري الأعضاء والدماغ خاصة لخطر الاحتشاء بصمة عجائبية.






الفتحة البيضوية في القلب foramen ovale [2]

في بعض الحالات وخاصة إذا كانت كمية الهواء الداخلة إلى الدوران كبيرة، فإنها قد لا تحدث احتشاءً، ولكنها تبقى في القلب، مسببة بذلك خللًا دورانيًا، إذ تنخفض كمية الدم التي يضخها القلب لأن الهواء استحل مكانها. وتعتبر هذه حالة خاصة من الصمات الهوائية.





شريحة من التصوير المقطعي المحوسب تظهر تراكم كمية من الهواء في القلب[3]

حان الوقت الآن لما وعدتك بداية، تبقى أن أحكي لك عن داء الغواصين أو التحنّي Decompression sickness:

كلنا نعرف أن الضغط تحت سطح الماء يرتفع كلما ازددنا عمقًا. نحن نعرف أن الهواء مكون بمعظمه من النيتروجين (70% منه تقريبًا)، وبالتالي ومع التنفس يدخل جزء من غاز النيتروجين إلى جسدنا وينحل في الدم. لا يسبب هذا أية مشكلة. ولكن عندما يغوص الغواص إلى الأعماق وتحت تأثير الضغط المرتفع تحت الماء ينضغط غاز النيتروجين في دمنا ويتحول إلى حالته السائلة. لا مشكلة إلى هنا. المصيبة تقع إذا صعد الغواص إلى السطح بسرعة! يتمدد غاز النيتروجين في الدم ويتحول إلى غاز، ما يعني تراكم كميات كبيرة من الغاز في الدوران. ما يعني خطر حدوث صمات وريدية في الرئة أو أخرى شريانية مختلفة في أنحاء مختلفة من الجسد. مسألة لا تحمد عقاباها. ولهذا يلجأ الغواصون إلى ما يسمى الصعود التدريجي، إذ ينجز الغواصون صعودهم نحو السطح على عدة مراحل، بحيث يكون هناك فرصة جيدة للرئة في التخلص من النيتروجين عبر التنفس. يستعين الغواصون لذلك بحبل يمتد من القاع إلى السطح يسمى خط الغوص.





خط الغوص diving shotline [4]

قد تكون أعماق البحر مخيفة أو خطيرة، لكن الجميل أن المعرفة لا خشية من أعماقها الممتعة..

تحية من الأعماق..

دمتم تواقين للغوص في المعرفة..

الهوامش

يرجي عدم الإساءة الي اي شخص والتعليق باحترام من الجميع

إرسال تعليق

يرجي عدم الإساءة الي اي شخص والتعليق باحترام من الجميع

comments (0)

أحدث أقدم